الضوابط الفقهية في الأحوال الشخصية عند الحنفية, باشراف الدكتور ايمن البدارين

الضوابط الفقهية في الأحوال الشخصية عند الحنفية
إعداد
حميدان صبيح أحمد حمايل
إشراف
الدكتور :أيمن عبد الحميد عبد المجيد البدارين
قدمت هذه الرسالة استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في القضاء الشرعي من كلية الدراسات العليا بجامعة الخليل
الخليل ـ فلسطين
1439هـ – 2018م
الإهداء
إلى والديّ الكريمين العزيزين حفظهما الله تعالى اللذين ما فتئا يوماً عن تأييد مسيرتي العلمية
إلى خالتي الفاضلة أم باهر
إلى زوجتي الغالية التي كان لها الأثر الكبير في دعمي وتشجيعي ومساندتي
إلى بناتي الغاليات العزيزات على قلبي
رحيق وحور وجنات
إلى إخوتي وأخواتي
إلى أصدقائي وأحبائي جميعاً
إلى أخي وصديقي الحبيب الشيخ الفاضل يسري عيدة أبو صهيب
إلى أرواح شهداء فلسطين خاصة وشهداء المسلمين عامّة
إلى المرابطين والمرابطات على ثرى هذه الأرض المباركة
إلى أسرانا البواسل القابعين خلف القضبان
إلى علمائنا الأجلاء وطلاب العلم المخلصين في كل مكان
إلى رواد مسجد عثمان بن عفان في بلدتي بيتا
إلى الإخوة الأحبة في دار الإفتاء الخليل
إلى كل هؤلاء أهدي هذا البحث المتواضع راجياً من الله العلي القدير القَبول والسداد
الشكر والتقدير
أحمد ربي وأشكره على أن وفقني للكتابة في هذا البحث وما توفيقي إلا بالله
وانطلاقاً من قول الحق I: {ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ }([1]). أتوجه بالشكر الجزيل لجامعة الخليل التي احتضنتني خلال دراستي لمرحلة الماجستير في القضاء الشرعي، كما وأتقدم ببالغ الشكر والتقدير لأستاذي الفاضل الدكتور أيمن عبد الحميد البدارين الذي تفضّل وتكرّم عليّ بالإشراف على رسالتي والذي لم يبخل علي بنصحه وتوجيهاته وإرشاداته القيِّمة. فجزاه الله كل خير له منّي خالص الدعاء.
كما لا أنسى أن أتقدم بالشكر والعرفان إلي أستاذي الفاضل الشيخ الأستاذ الدكتور حسين مطاوع الترتوري، الذي أُكِنّ له كل الاحترام والتقدير حيث كان له الأثر الكبير في تشجيعه لي في بداية دراستي, وتفضله بقبول مناقشة رسالتي هذه فجزاه الله عنّي خير الجزاء, ولا أنسى أتقدم بالشكر الجزيل للشيخ الدكتور عروة عكرمة صبري الذي تكرّم بقبول مناقشة هذه الرسالة. فجزاه الله عنّي خير الجزاء.
ملخص الرسالة
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد r وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى كل من استن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين، وبعد:
فإن أهم ما يشتغل به المسلم في حياته هو التفقه في الدين ببذل الوُسع والجهد في معرفة أحكام رب العالمين، ومن علامة إرادة الله بالعبد خيراً أن يفقهه في الدين، وإن من أهم مباحث الفقه في الدين، معرفة الضوابط الفقهية في مسائل الفقه عموماً، ومن أهم المسائل التي يتعرض لها الناس يومياً في حياتهم، مسائل الأحوال الشخصية، ولذلك تمحور موضوع هذه الرسالة في استخراج الضوابط الفقهية فيها عند السادة الحنفية، وقد كان من أهداف هذه الدراسة:
- بيان أهمية الضوابط الفقهية في مسائل الأحوال الشخصية، ودورها العظيم في تكوين وتربية الملكة الفقهية لدى الباحث بشكل خاص وطلبة العلم وأهل الاختصاص بشكل عام.
- بيان الدور الكبير لمعرفة الضوابط الفقهية في الأحوال الشخصية في المذهب الحنفي، حيث إن قانون الأحوال الشخصية ” في المحاكم الشرعية في الضفة الغربية ” جل مصدره من المذهب الحنفي، فكان لابد من البحث في هذا الموضوع. وقد قمت بتقسيم هذه الرسالة إلى أربعة فصول على النحو التالي:
الفصل الأول: التعريف بالضوابط الفقهية، حيث جعلتُه في ستة مباحث:
المبحث الأول: في تعريف الضابط الفقهي، وأهميته وفوائده. والمبحث الثاني: في أركان الضابط الفقهي وشروطه. والمبحث الثالث: في حجية الضوابط الفقهية والمصادر التي أخذت منها. والمبحث الرابع: في الفرق بين الضابط الفقهي وبعض الألفاظ المتعلقة به، وهي: الفرق بين الضابط الفقهي والقاعدة الفقهية، الفرق بين الضابط الفقهي والنظرية الفقهية، المبحث الخامس: لمحة تاريخية عن الضوابط والقواعد الفقهية في المذهب الحنفي. ثم المبحث السادس: أهم مصادر ومؤلفات الضوابط والقواعد في المذهب الحنفي.
أما الفصل الثاني: جعلتُه في الضوابط الفقهية في النكاح ومقدماته، وقد وضعتها في ستة مباحث: حيث احتوت على عشرين ضابطاً. وأبرز هذه الضوابط: الأصل في الأبضاع التحريم. العدة من النكاح تعمل عمل النكاح في التحريم. النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة. ولاية الإنكاح ولاية نظر. كل عصبة لامرأة يلي أمر نفسه بنفسه فهو ولي لها. السلطان ولي من لا ولي له. المهر حق الشرع وجوباً, ويصيرُ حقاً للمرأة حال البقاء. كل نكاح صحيح في حق المسلمين، فهو صحيح إذا تحقق بين أهل الكفر. يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. لبن الفحل يتعلق به التحريم.
الفصل الثالث: جعلتُه في الضوابط الفقهية المتعلقة بالطلاق ومقدماته ، وقد وضعتها في ثلاثة مباحث: حيث احتوت على أحد عشر ضابطاً. وأبرز هذه الضوابط: الأصل في الطلاق الحظر والإباحة باعتبار الحاجة. يقع طلاق كل زوج إذا كان عاقلا بالغا, ولا يقع طلاق الصبي والمجنون والنائم. الطلاق الصريح يتعلق الحكم بلفظه لا بمعناه, وغير الصريح يتعلق الحكم بمعناه لا بلفظه. الطلاق لا يتجزأ. إيقاع الطلاق في الماضي إيقاع في الحال. الكنايات لا يقع بها الطلاق إلا بالنية أو بدلالة الحال.
الفصل الرابع: جعلتُه في الضوابط الفقهية المتعلقة بالرجعة والإيلاء والخلع والعدة وثبوت النسب وحضانة الولد والنفقة، قد وضعتها في خمسة مباحث: حيث احتوى على اثني عشر ضابطاً. وأبرز هذه الضوابط: الرجعة استدامة النكاح. المُولِي لا يمكنه القربان أربعة أشهر إلا بشيء يلزمه. كل ما جاز أن يكون مهراً في النكاح, جاز أن يكون بدلاً في الخلع, ولا ينعكس. الطلاق الرجعي لا يزيل النكاح. العبرة في ثبوت النسب بصحة الفراش، وكون الزوج من أهله لا بالتمكن من الوطء. مبنى الحضانة على الشفقة. النفقة جزاء الاحتباس. النفقة تجب بطريق الكفاية.
وقد ختمت هذه الرسالة بخاتمة تضمنت أهم النتائج والتوصيات.
وكان من أهم النتائج: 1- استخراج ضوابط فقهية في مسائل الأحوال الشخصية في المذهب الحنفي حيث ذكرت بعضها آنفاً. 2- أن أكثر الضوابط الفقهية عند أئمة المذهب الحنفي في مسائل الأحول الشخصية متفق عليها بين بين فقهاء المذهب على وجه العموم. أ- يعبِّر فقهاء المذهب الحنفي عن مصطلح القاعدة الفقهية أو الضابط الفقهي بالأصل غالباً.
وكان من أهم التوصيات: أن يكون هناك مزيداً من الدراسات المتخصصة في مباحث الضوابط الفقهية عموماً وفي مسائل الأحوال الشخصية خصوصاً, ومواكبة الحوادث والنوازل والمستجدات فيها, ومراعات الحال والزمان والمكان.
وختاماً: فإني أحمد الله U وأشكره على أن وفقني للكتابة في هذا البحث, وأسأله I أن يوفقني لما يحبه ويرضاه, { ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ }([2]).
والحمد لله رب العالمين
Abstract
The most important thing that concerns the Muslim in his life is the understanding of religion by exerting all efforts in knowing the rulings of the Lord of the Worlds. “When Allah wishes good for someone, He bestows upon him the understanding of religion” is among the signs that show Allah’s care about his servants. One of the most important principles of fiqh in religion is knowledge of the jurisprudential disciplines in matters of fiqh in general. The most crucial daily issues that people face in their lives relate to personal status. The main topic of this thesis was centered on the extraction of Hanafi jurisprudential principles and guidelines. The researcher aimed at identifying the jurisprudential disciplines and ruling of personal affairs and their role in building solid basis of fiqh understanding for researchers and scholars. It also aimed at identifying the significance of the Hanfi School of thought due to the fact that Religious courts in Palestine adopt this school in its rulings and proceedings.
The thesis was divided into four chapters as follows:
Chapter one presented the definition of jurisprudential principles and guidelines; it included six topics. The first topic was related to the definition of the jurisprudence, its importance and benefits; the second topic was about the pillars and preconditions of the jurisprudence. The third topic discussed the authoritative jurisprudential guidelines and their sources. The fourth topic identified the difference between the jurisprudential controls and some of the related words, namely: the difference between the jurisprudential controls and the jurisprudential rules, the difference between the jurisprudential control and the jurisprudential theory. The fifth topic presented a historical overview of the rules and guidelines of jurisprudence in the Hanafi School of Fiqh. While the sixth topic showed the most important sources and writings of rules and guidelines in the Hanafi school.
The second chapter focused on the disciplines of jurisprudence related to marriage and its conditions; it also included six topics that contained twenty rules and guidelines. The most prominent of rules included: the basic rule related to marriage is prohibition; the waiting period has the same effect on prohibition; marriage does not invalidate due to corrupt conditions; marriage guardian depends on observance and seeing; every relative for a woman who is legally capable of himself is her guardian; the Sultan is the guardian of those who have no guardians; “Mahr” or dowry is an obligatory right of Shari’a, and it becomes a woman’s right as long as she is a wife; every marriage is valid for Muslims is also valid if it is achieved among the people of kufr; what becomes unlawful (for marriage) through breast-feeding is that which becomes unlawful through lineage; breast-feeding caused by marriage to a man is related to the prohibition of marriage.
Chapter three was related to the jurisprudential principles and guidelines related to divorce, and it was set into three sections which contained eleven principles. The most prominent included: the basic ruling in divorce is prohibition and its permissibility is based on urgencies; divorce is enacted if it is done by adult, legally capable men; the divorce of each husband is a serious matter, and the divorce of the boy, the insane and the sleeper is not enacted; the explicit divorce depends on the provision of the term in its meaning, not in its wording; divorce is indivisible; the previously enacted divorce is due and enacted at present; implicit divorce or using metonymy to express it is not plausible; and divorce is enacted by intention or by definition.
Chapter Four was meant to discuss the jurisprudential disciplines related to state of returning, swearing, “khul” (i.e., divorce at instance of wife who pays compensation), waiting period, bondage asceticism, and the custody of the child and alimony payments. These issues were put in five sections that contained twelve principles and guidelines including: return means sustainability of marriage; the one who swears not to approach his wife for four months cannot do anything without doing something obligatory; all that is permissible to be a dowry for in marriage, may be a dowry in “khul” not vice versa; irrevocable divorce does not invalidate marriage. The evidence of proving bondage is via sexual intercourse in bed; custody depends on compassion; alimony payment is paid for being locked at home; and finally alimony is paid when the spouse can afford it.
The study results showed the most important jurisprudence disciplines that are used by the Hanafi school of thought; most of these ruling are agreed upon and used by scholars in this school of thought (i.e., Hanafi); it also found that Hanafi scholars refer to original terms related to “jurisprudence rule” or “jurisprudence constraint.” The researcher recommended that there should be more specialized studies in the examination of jurisprudential disciplines and rulings in general and in matters of personal status in particular; scholars should keep track of all developments, incidents, and catastrophes, and issues related to personal status; they should also takie into account the situation, the time and the place in which they occur.
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، نحمده سبحانه أن منّ علينا بنعمة الإيمان فجعلنا من أمة خير الأنام، أنزل إلينا خاتمة الشرائع وأوفاها، وعلم جهر كل نفس ونجواها، وعظم شأن الأمة تعظيما لا يتناها، وحفظ لها دينها وأنفسها وعقولها وأموالها مبدأها ومنتهاها، أحمده سبحانه وتعالى وأشكره، عز رباً وجل ّ إلها، وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له، ولا ند له ولا صاحبة له ولا ولداً، ولا يحصي أحد ثناءً عليه بل هو كما أثنى على نفسه، جل ثناؤه وعظم جاهه ولا إله غيره، القائل Y :{ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ }([3])، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه أرسله ربه رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، فهدى به من الضلالة، وعلَّم به من الجهالة، وكثَّر به بعد القلَّة، وَأعزَّ به بعد الذلَّة، وأَغنى به بعد العَيْلَة، وبصَّر به من العمى، وأَرشد به من الغي، وفتح برسالته أَعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفا، فَبَلَّغ الرسالة وأَدَّى الأَمانة ونصح الأُمة وجاهد في الله حق جهاده وعَبَدَ الله حتى أَتاه اليقين، فصلوات ربي وسلامه عليه، القائل ” من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله، لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله “([4]). وارض اللهم عن آلِهِ الطيبين الطاهرين، وصحابته الغرِّ الميامين، وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد اهتم علماء الإسلام على مر التاريخ الإسلامي بعلوم الشريعة الإسلامية اهتماما كبيرا، وكان من بين العلوم التي حظيت باهتمام العلماء علم الفقه، الذي هو ثمرة الأدلة الشرعية، وعليه مدارها ورحاها؛ إذ به يعرف الحلال من الحرام. وما زال هذا العلم يحظى باهتمام كبير عند العلماء، وإن من بين ثنايا هذا العلم الشريف، نشأ علم “قواعد الفقه وضوابطه “، فهو علم عظيم النفع كثير الفائدة، فبه يكون الوصول إلى الأحكام الفرعية العديدة، والمسائل الجزئية المتناثرة، أكثر يسر وسهولة في الحفظ والضبط وعدم النسيان، كما يساعد في تكوين الملكة الفقهية، فهو ذو فائدة عظيمة وأهمية كبيرة للفقيه والمفتي والقاضي والحاكم.
يقول الإمام القرافي في كتابه ” الفروق” مبينا أهمية علم القواعد الفقهية ومكانتها: “والقسم الثاني قواعد كلية فقهية جليلة، كثيرة العدد، عظيمة المدد، مشتملة على أسرار الشرع وحكمه، لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى، ولم يذكر منها شيء في أصول الفقه، وإن اتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل الإجمال فبقي تفصيله لم يتحصل، وهذه القواعد مهمة في الفقه، عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف، ويظهر رونق الفقه ويعرف، وتتضح مناهج الفتاوى وتكشف، فيها تنافس العلماء وتفاضل الفضلاء… ” إلى أن قال “… ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات؛ لاندراجها في الكليات واتحد عنده ما تناقض عند غيره وتناسب…. “([5]).
ويقول الشيخ مصطفى الزرقا في مقدمة كتاب ” شرح القواعد الفقهية ” مُبينا عِظم أهمية القواعد الفقهية لمن طلب دراسة الشريعة أو القانون فتلقى القواعد، وتَفَهَّمَ مدلولاتها جيداً، ووقف على مستثنياتها: ” يشعر ذلك الطالب في ختام دراسته لهذه القواعد وشروحها، كأنما وقف فوق قمة من الفقه تشرف على آفاق مترامية الأطراف من الفكر الفقهي نظرياً وعملياً، ويرى امتداداته التطبيقية في جميع الجهات “([6]).
لذلك اهتم علماء الشريعة بهذا العلم فصنفوا فيه المصنفات وألفوا فيه المؤلفات والبحوث الكثيرة، بما يخدم هذا العلم البالغ الأهمية، وبناء على ذلك، فقد سرت على نهج السابقين في خدمة هذا الفن، فارتأيت أن يكون موضوع رسالتي في الماجستير بعد مشاورة أساتذتي الكرام ونصيحتهم لي بعنوان (الضوابط الفقهية في الأحوال الشخصية عند الحنفية).
هذا وأسأل الله العلي القدير أن يعينني في بحثي هذا، وأن يسهل كل عسير، وأن يسدد على الحق خُطاي، وأن يفتح عليّ بفضله ومنِّه وكرمه فتوح العارفين، وأن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعل فيه نفعاً للإسلام والمسلمين، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
أهمية الموضوع
إن أهم ما يشتغل به المسلم في حياته هو التفقه في الدين ببذل الوسع والجهد في معرفة أحكام رب العالمين، ومن علامة إرادة الله بالعبد خيراً أن يفقهه في الدين، وإن من أهم مباحث الفقه في الدين، معرفة الضوابط الفقهية في مسائل الفقه عموما، ومن أهم المسائل التي يتعرض لها الناس يوميا في حياتهم، مسائل الأحوال الشخصية، وتبرز أهمية معرفة ضوابط هذه المسائل من خلال النقاط التالية:
- معرفة الضوابط الفقهية في مسائل الأحوال الشخصية تسهل على الباحثين وطلبة العلم والقضاة والمفتين ضبط المسائل والفروع المنتشرة في كتب الفقه من خلال هذه الضوابط.
- يتضح من خلال الضوابط الفقهية في مسائل الأحوال الشخصية مناهج الفتوى والقضاء فيها.
- إمكانية الوقوف على أقوال العلماء من خلالها والمقارنة بينها.
- ضبط مسائل الأحوال الشخصية بهذه الضوابط يغني عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات.
- تنمّي الملكة الفكرية الفقهية لدى الباحث في هذه المسائل نظرياً وعملياً، بحيث يتمكن الباحث من التطبيق لهذه الضوابط في جميع المسائل.
- إيجاد الحلول والأحكام للوقائع والنوازل والمستجدات الكثيرة من خلال البناء على هذه الضوابط.
أهداف الموضوع
يهدف الباحث من خلال هذا الموضوع إلى:
- بيان أهمية الضوابط الفقهية في مسائل الأحوال الشخصية، ودورها العظيم في تكوين وتربية الملكة الفقهية لدى الباحث بشكل خاص وطلبة العلم وأهل الاختصاص بشكل عام.
- بيان الدور الكبير لمعرفة الضوابط الفقهية في الأحوال الشخصية في المذهب الحنفي، حيث إن قانون الأحوال الشخصية ” في المحاكم الشرعية في الضفة الغربية ” جل مصدره من المذهب الحنفي، فكان لابد من البحث في هذا الموضوع.
- استخراج الضوابط الفقهية المتعلقة بالأحوال الشخصية من كتب الحنفية، وبيان معانيها وألفاظها وأدلتها والتطبيقات والفروع المتعلقة بها.
- بيان الحاجة الملحة لمعرفة الضوابط الفقهية في أبواب الأحوال الشخصية، وما يتفرع عليها من مسائل.
- المساهمة في خدمة هذا العلم من علوم الشريعة، وإضافة مجال جديد في الرسائل المقدمة إلى قسم الدراسات العليا في جامعة الخليل وفي غيرها، وإثراء المكتبة الإسلامية بدراسات متجددة للقواعد والضوابط الفقهية، بشكل علمي معاصر ونشره بحلة جديدة.
أسباب اختيار الموضوع
يرجع سبب اختياري لهذا الموضوع إلى:
- عدم وجود كتاب أو بحث معاصر – في حدود اطلاعي – بهذا العنوان مشتملا على أغلب أبواب الأحوال الشخصية في الضوابط في المذهب الحنفي على وجه الخصوص.
- تيسير فقه الاحوال الشخصية عند الحنفية وتقريبه للدارسين على شكل ضوابط فقهية محكمة الصياغة تسهل وتيسر ضبطه وحفظه.
- اقتراح أستاذي الفاضل الشيخ الدكتور – أيمن عبد الحميد البدارين – للكتابة في هذا الموضوع، فجزاه الله خيراً.
حدود دراسة الموضوع
تتمثّل حدود الدراسة في استخراج الضوابط الفقهية في مسائل الأحوال الشخصية في المذهب الحنفي فحسب، وسيكون أكثر اعتمادي في استقراء الضوابط الفقهية, على الكتب الفقهية في المذهب. كما سأتفيد من غيرها من كتب الحنفية الأخرى. وقد اقتصر دراستي فيها على استخراج الضوابط الفقهية في مسائل الأحوال الشخصية من أول كتاب النكاح إلى نهاية باب النفقة بعد استقراء لأغلب الضوابط الفقهية فيها.
الدراسات السابقة
من خلال البحث والتّحرّي في هذا الموضوع، وجد الباحث دراسات في هذا الموضوع في المذهب الحنفي وذلك على النحو الآتي:
- دراسة بعنوان (القواعد والضوابط الفقهية المستخرجة من كتاب فتح القدير لابن الهمام من أول كتاب النكاح إلى أول كتاب الأيمان جمعا ودراسة) للطالب محمد نبيل الرجوب، وهي عبارة عن رسالة ماجستير في الفقه والتشريع وأصوله، جامعة القدس أبو ديس / القدس – فلسطين. وقد اقتصر الباحث في رسالته على استخراج القواعد والضوابط الفقهية من كتاب فتح القدير فقط، وكان استخراجه للقواعد بشكل عام ما يخص النكاح وغيره، كما أن الباحث لم يذكر كثيراً من الضوابط المتعلقة بالأحوال الشخصية منها:
- الأصل في الأبضاع التحريم.
- السلطان ولي من لا ولي له.
- كل عصبة لامرأة يلي أمر نفسه بنفسه فهو ولي لها.
- الطلاق الصريح يتعلق الحكم بلفظه لا بمعناه، وغير الصريح يتعلق الحكم بمعناه لا بلفظه.
وقد امتازت دراستي في التوسع في ذكر الضوابط في المذهب الحنفي دون الاقتصار على كتاب معين في المذهب بحيث يشمل جل الأبواب في الأحوال الشخصية. كما أنني اقتصرت بذكر ما يخص الأحوال الشخصية فقط دون ما يشترك به معه غيره من أبواب الفقه.
- دراسة بعنوان (الضوابط الفقهية لأحكام الأسرة من كتاب ” الهداية ” للإمام المرغيناني) للطالب أسامة محمد شيخ، وهي عبارة عن رسالة ماجستير في الفقه، في قسم الدراسات العليا الشرعية من جامعة أم القرى / مكة المكرمة. وقد اقتصر الباحث في رسالته على ذكر الضوابط فقط في كتاب واحد وهو “الهداية للإمام المرغيناني”.
وقد امتازت دراستي في اشتمالها على الضوابط الفقهية في مسائل الأحوال الشخصية في أكثر من كتاب في المذهب الحنفي. كما اشتملت على ذكر ضوابط لم يذكرها الباحث في رسالته منها:
- الأصل في الأبضاع التحريم.
- ينعقد النكاح بالكتاب كما ينعقد بالخطاب.
- كل عصبة لامرأة يلي أمر نفسه بنفسه فهو ولي لها.
منهج البحث
اتبعت في بحثي هذا بعد توفيق الله تعالى، المنهج الوصفي، مستفيدا من منهجي البحث الاستقرائي والاستنباطي، وفق الآتي:
- توثيق الآيات ببيان اسم السورة ورقم الآية.
- تخريج الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في البحث وفق ما يلي: فما كان في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيت بالعزو إليهما، وما كان في غيرهما أحيل إليه مع نقل حكم علماء الحديث عليه وفق الأصول الحديثية المعتبرة.
- الرجوع إلى المصادر والمراجع المتعلقة بهذا الموضوع في كتب الحنفية خاصة، وبعض كتب المذاهب الأخرى عند الحاجة إلى ذلك، وعزو الأقوال إلى قائليها من كتبهم.
- تخريج المصطلحات اللغوية من المصادر والمراجع المختصة باللغة.
- كما كان منهجي في تناول الضوابط كما يلي:
- بيان معنى الضابط إن دعت الحاجة لذلك، حتى لا أسهب في توضيح ما هو واضح.
- شرح الضابط.
- دليل الضابط، حيث اكتفيت بذكر دليل واحد إلا اذا دعت الحاجة لذلك.
- فروع وتطبيقات الضابط في المذهب الحنفي (على أن لا تزيد عن عشرة).
- استثناءات الضابط، (إن وجدت).
- كما أن منهجي في التوثيق كان بذكر اسم الشهرة لمؤلف الكتاب، ثم الاسم الكامل له، ثم تاريخ وفاة المؤلف، ثم اسم الكتاب، ثم المحقق (إن وجد)، ثم دار النشر ومكان النشر والطبعة وتاريخها (إن وجدت)، ثم أذكر الجزء (إن وجد)، ورقم الصفحة، وعند ذكر الكتاب مرة أخرى أكتفي بذكر شهرة المؤلف، ثم شهرة الكتاب، ثم الجزء (إن وجد)، ثم رقم الصفحة.
وفي الختام وضعت خاتمة في نهاية البحث تضمنت، أهم النتائج والوصايا، وجمعت المصادر والمراجع في نهاية البحث، ثم وضعت فهرساً للموضوعات وأرقام الصفحات.
محتوى البحث:
قسمت هذه الخطة الى مقدمة وأربعة فصول.
المقدمة وقد تضمنت الآتي: أهمية الموضوع وأهداف الموضوع وأسباب اختيار الموضوع وحدود دراسة الموضوع والدراسات السابقة ومنهج البحث.
الفصل الأول: مقدمات متعلقة بالضوابط الفقهية، وفيه ستة مباحث:
المبحث الأول: تعريف الضابط الفقهي، وأهميته وفوائده، وفيه مطلبان:
المبحث الثاني: أركان الضابط الفقهي وشروطه، وفيه مطلبان:
المبحث الثالث: المصادر التي أُخذت منها الضوابط الفقهية وحجيتها.
المبحث الرابع: الفرق بين الضابط الفقهي والقاعدة الفقهية والنظرية الفقهية.
المبحث الخامس: لمحة تاريخية عن الضوابط والقواعد الفقهية في المذهب الحنفي.
المبحث السادس: أهم مصادر ومؤلفات الضوابط والقواعد في المذهب الحنفي.
الفصل الثاني: الضوابط الفقهية في النكاح ومقدماته، وفيه ستة مباحث:
المبحث الأول: مقدمات النكاح.
المبحث الثاني: المحرمات من النكاح.
المبحث الثالث: الولاية والكفاءة.
المبحث الرابع: الضوابط المتعلقة بالمهر.
المبحث الخامس: الضوابط المتعلقة بنكاح أهل الذمة.
المبحث السادس: الضوابط المتعلقة بالرضاع.
الفصل الثالث: الضوابط الفقهية المتعلقة بالطلاق ومقدماته، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: ضوابط في مقدمات الطلاق.
المبحث الثاني: ضوابط في تفويض الطلاق.
المبحث الثالث: ضوابط في أيمان الطلاق وطلاق المريض.
الفصل الرابع: الضوابط الفقهية المتعلقة بالرجعة والايلاء والخلع والعدة وثبوت النسب وحضانة الولد والنفقة، وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: ضوابط في الرجعة والايلاء
المبحث الثاني: ضوابط في الخلع.
المبحث الثالث: ضوابط في العدة.
المبحث الرابع: ضوابط في ثبوت النسب، وحضانة.
المبحث الخامس: ضوابط في النفقة.
الخاتمة: وتضمنت أهم النتائج والتوصيات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([3]) سورة المجادلة، الآية 11.
([4]) البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله، ت: 256هـ، الجامع الصحيح، 1/27، حسب ترقيم فتح الباري، دار الشعب – القاهرة، الأولى، 1407هـ- 1987م.
([5]) القرافي: أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي،ت:684هـ، الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق (مع الهوامش)، تحقيق: خليل المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت -لبنان، الأولى: 1418هـ – 1998م، 1/6-7. الهامش الأول: إدرار الشروق على أنوار الفروق, قاسم بن عبد الله المعروف بابن الشاط, ت:723هـ. الهامش الثاني: تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية. محمد بن علي بن حسين, ت:1367هـ.
([6]) الزرقا, أحمد بن محمد الزرقا، ت: 1357 هـ، شرح القواعد الفقهية، تحقيق الطبعة الثانية، مصطفى أحمد الزرقا (ابن المؤلف)، طبعة دار القلم، دمشق – سوريا، الطبعة الثانية: 1409 هـ – 1989م، ص 11
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لتحميل كامل الرسالة يرجى الضغط على هذا الرابط:
الضوابط الفقهية في الأحوال الشخصية عند الحنفية 12
اكتشاف المزيد من موقع الدكتور ايمن البدارين الرسمي - aymanbadarin.com
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.